فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}.
ونعرف أن {تلك} إشارة يخاطب الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ويشير إلى الآيات التي سبقت والتي تدل على عظمة الحق وقيومته، فقد قال الحق من قبل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (243)} سورة البقرة.
وساعة طلبوا أن يقاتلوا، وأن يبعث لهم ملكًا، وبعثه لهم، وبعث لهم التابوت فيه سكينة، أليست هذه آيات أخرى؟ ومن بعد ذلك أراد الحق أن يأتي مقتل جالوت العملاق الضخم على يد داود الصبي الصغير. أليست هذه آية؟ وآية أخرى هي أن جماعة قليلة- بإقرارهم- حيث قالوا: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} هذه الجماعة القليلة تدخل المعركة وتهزم الكثرة، أليست هذه آية؟
وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف الآيات التي سبقت رسالته؟ لا، ولكنها من إخبار الله له مع إقرار الجميع، وخاصة الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ بأنه لا قرأ ولا كتب ولا جلس إلى معلم، ولا أحد قال له شيئا؛ حتى الرحلة التي ذهب فيها للتجارة كان يصحبه فيها أناس غيره، ولو كانوا قد رأوه جالسا إلى أحد يعلمه شيئا، لأذاعوا أن محمدًا قد جلس مع فلان، وتعلم منه كذا وكذا. ولكن هذا لم يقله أحد؛ لأنه لم يحدث أصلا، ولذلك كان إخباره صلى الله عليه وسلم بما يعلمونه هم عندهم هو بعضنا من أسرار معجزته، إنه قد عرف الأخبار السابقة رغم أنه لم يقرأ ولم يكتب ولم يتلق علما من أحد. وقد تماحك بعض المشركين وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس إلى فتى عند المروة يعلمه هذه الأخبار، فنزل القول الحق يدحض هذا الافتراء: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103)} سورة النحل.
لقد أثبت الحق أنها حجة باطلة، وزعم كاذب من ناحيتهم. لأن الذي ادعوا أنه علم الرسول كان أعجميا. ويقول الحق سبحانه لمحمد صلى الله عليه وسلم: «تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق». إن كلمة {آيات الله} تعني الأشياء العجيبة، و{نتلوها} أي نجعل كلمة بعد كلمة، وهي من {ولي} أي جاء بعده بلا فاصل. {نتلوها عليك بالحق} والحق هو الشيء الذي وقع موقعه حيث لا يتغير عنه، فلا يتضارب أبدا.
فهب أن حادثة وقعت أمامك، ثم سئلت عنها ألف مرة في طيلة حياتك ستجد أن جوابك لن يختلف عليها أبدا؛ لأنك تحكي واقعا رأيته، لكن لو كانت الحكاية كذبا؛ فستجد أن روايتك لها في المرة الثانية تتغير؛ لأنك لا تذكر ماذا قلت في المرة الأولى؛ لأنك لا تحكي عن واقع يأخذك وتلتزم به، وكذلك الحق لا يتغير، ولا يتضارب، ولا يتعارض. {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق} ومادام الحق سبحانه هو الذي يقولها، فسيقولها لك حقيقة، وعندئذ يعرف الآخرون أنك عرفت ما عندهم مما يخفونه في كتبهم يقوله بعضهم لبعض، هنا يعرفون أنك من المرسلين، ولذلك نحن نجد في ماكانات القرآن التي يقول فيها تعالى: ما كُنت، ما كُنت، وما كنت ومثل قوله الحق: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44)} سورة القصص.
أي ما كنت يا محمد حاضرا مع موسى في المكان الغربي من الجبل حين عهد الله إليه بأمر الرسالة، ولم تكن معاصرا لموسى ولا شاهدًا تبليغه للرسالة فكيف يكذبك قومك وأنت تتلو عليهم أنباء السابقين؟ ومثال ذلك قوله الحق: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)} سورة آل عمران.
إن الذي رواه القرآن لك يا محمد من الأخبار الجليلة عمن اصطفاهم الله هي من الغيب الذي أوحى الله به إليك. وما كنت حاضرًا معهم وهم يقترعون بالسهام ليعلم بالقرعة من يقوم بشئون مريم، وما كنت معهم وهم يختصمون في نيل هذا الشرف النبيل. ومثال ذلك قوله الحق سبحانه: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)} سورة القصص.
أي ما كنت أيها الرسول حاضرًا في جانب الطور حين نادينا موسى لما أتى الميقات وكلمه ربه وناجاه، ولكن الله أعلمك بهذا عن طريق الوحي رحمة بك وبأمتك، ولتبلغه لقوم لم يأتهم رسول من قبلك لعلهم يتذكرون ويؤمنون. ومثال ذلك قوله الحق: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)} سورة الشورى.
إن القرآن هو وحي منزل من عند الله، يعرف المؤمنين النور إلى الهداية وتكاليف الحق، ويهدي من اختار الهدى، وإنك يا محمد لتدعو بهذا القرآن إلى صراط مستقيم. إن كل ما كنت في القرآن الكريم هي دليل على أن ما أخبرك به جبريل رسولا من عند الله إليك، وحاملا للوحي من الله هو الحق؛ فتعلمه أنت يا محمد بطريقة خاصة وعلى نهج مخصوص، رغم أنك لم تقرأ كتابا ولم تجلس إلى معلم. وما تخبرهم به من آيات هي موافقة لما معهم، وكان من الواجب أن يقولوا إن الذي علمك هذا هو الله سبحانه وتعالى، وكان يجب أن يقروا ويشهدوا بأنك من المرسلين.
وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان طالوت أميرًا على الجيش، فبعث أبو داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت: ماذا لي واقتل جالوت؟ فقال: لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سمى إبراهيم وإسحق ويعقوب، ثم أدخل يده فقال: بسم الله إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، فخرج على إبراهيم فجعله في مرجمته فرمى بها جالوت، فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة على رأسه، وقتلت مما وراءه ثلاثين ألفًا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما برز طالوت لجالوت قال جالوت: ابرزوا لي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم، فأتي بداود إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله، فألبسه طالوت سلاحًا فكره داود أن يقاتله بسلاح، وقال: إن الله إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئًا، فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار، ثم برز له جالوت فقال أنت تقاتلني؟! قال داود: نعم. قال: ويلك ما خرجت إلاَّ كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة! لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع. فقال له داود: بل أنت عدوّ الله شر من الكلب، فأخذ داود حجرًا فرماه بالمقلاع، فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه، فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتز رأسه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابنًا له وكان داود أصغر بنيه، وأنه أتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئًا إلا صرعته، قال: أبشر فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك، ثم أتاه يومًا آخر فقال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدًا رابضًا فركبت عليه وأخذت بأذنيه فلم يهجني. فقال: أبشر يا بني فإن هذا خير يعطيكه الله، ثم أتاه يومًا آخر فقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح، فما يبقى جبل إلا سبح معي. قال: أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله، وكان داود راعيًا، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام فأتى النبي بقرن فيه دهن وبثوب من حديد، فبعث به إلى طالوت فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حين يدهن منه ولا يسيل على وجهه يكون على رأسه كهيئة الاكليل، ويدخل في هذا الثوب فيملأه، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربه فلم يوافقه منهم أحد، فلما فرغوا قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك ولد لم يشهدنا؟ قال: نعم، بقي ابني داود وهو يأتينا بطعامنا، فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار، فكلمنه وقلن له: يا داود خذنا تقتل بنا جالوت، فأخذهن فجعلهن في مخلاته، وقد كان طالوت قال: من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي، فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه، ولبس الثوب فملأه، وكان رجلًا مسقامًا مصفارًا ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه، فلما لبسه داود تضايق عليه الثوب حتى تنقص، ثم مشى إلى جالوت.
وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم، فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه، وقال له: يا فتى، ارجع فإني أرحمك إن أقتلك. فقال داود: لا بل أنا أقتلك.
وأخرج الحجارة فوضعها في القذافة، كلما رفع حجرًا سماه فقال: هذا باسم أبي إبراهيم، والثاني باسم أبي إسحق، والثالث باسم أبي إسرائيل، ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرًا واحدًا، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فثقبت رأسه فقتله، ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه حتى لم يكن بحيالها أحد، فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت ورجع طالوت فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود وأحبوه.
فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله، فعلم به داود فسجى له زق خمر في مضجعه، فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود، فضرب الزق ضربة فحرقه، فسالت الخمر منه فقال: يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر. ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم، فوضع سهمين عن رأسه وعند رجليه، وعن يمينه وعن شماله سهمين، فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال: يرحم الله داود هو خير مني، ظفرت به فقتلته وظفر بي فكف عني.
ثم إنه ركب يومًا فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس، فقال طالوت: اليوم أقتل داود. وكان داود إذا فزع لا يدرك. فركض على أثره طالوت، ففزع داود فاشتد فدخل غارًا، وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتًا، فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت فقال: لو كان دخل هاهنا لخرق بيت العنكبوت، فتركه وملك داود بعدما قتل طالوت، وجعله الله نبيًا وذلك قوله: {وآتاه الله الملك والحكمة} قال: الحكمة هي النبوة، آتاه نبوة شمعون وملك طالوت.
وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحق وابن عساكر عن مكحول قالا: زعم أهل الكتاب أن طالوت لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود همَّ بأن يغتال داود، فصرف الله ذلك عنه، وعرف طالوت خطيئته والتمس التنصل منها والتوبة، فأتى إلى عجوز كانت تعلم الإِسم الذي يدعى به، فقال لها: إني قد أخطأت خطيئة لن يخبرني عن كفارتها إلا اليسع، فهل أنت منطلقة معي إلى قبره، فداعية الله ليبعثه حتى أسأله؟ قالت: نعم.
فانطلق بها إلى قبره، فصلت ركعتين ودعت، فخرج اليسع إليه فسأله، فقال: إن كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد، ثم رجع اليسع إلى موضعه، وفعل ذلك طالوت حتى هلك وهلك أهل بيته، فاجتمعت بنو إسرائيل على داود، فأنزل الله عليه وعلمه صنعة الحديد فألانه له، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح، ولم يعط أحدًا من خلقه مثل صوته، وكان إذا قرأ الزبور ترنو إليه الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وإنها المصغية تستمع له، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والنوح إلا على أصناف صوته.
أما قوله تعالى: {ولولا دفع الله} الآية.
أخرج ابن جرير وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء»، ثم قرأ ابن عمر {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم».
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} قال: يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي، وبمن يحج عمن لا يحج، وبمن يزكي عمن لا يزكي.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولولا دفع الله الناس} الآية. يقول: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر، ودفعه ببقية أخلاق الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} الآية. قال: يبتلي الله المؤمن بالكافر، ويعافي الكافر بالمؤمن.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {لفسدت الأرض} يقول: لهلك من في الأرض.
وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم. سمعت عليًا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وابن عساكر عن علي «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الابدال بالشام، وهم أربعون رجلًا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلًا، يسقي بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب» ولفظ ابن عساكر: ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق.
وأخرج الخلال في كتاب كرامات الأولياء عن علي بن أبي طالب قال: إن الله ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيهم.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تخلو الأرض من أربعين رجلًا مثل خليل الرحمن، فيهم تسقون وبهم تنصرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر».
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون».
وأخرج أحمد في الزهد والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج الخلال بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أربعون رجلًا يحفظ الله بهم الأرض، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، فهم في الأرض كلها».
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أربعون رجلًا من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم الابدال، إنهم لن يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة. قالوا: يا رسول الله فيم أدركوها؟! قال: بالسخاء والنصيحة للمسلمين».
وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل في الخلق ثلثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلثمائة، وإذا مات من الثلثمائة أبدل الله مكانه من العامة، فيهم يحيي، ويميت، ويمطر، وينبت، ويدفع البلاء. قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت؟ قال: لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فينبت لهم الأرض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء».
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن عوف بن مالك قال: لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «فيهم الابدال، بهم تنصرون وبهم ترزقون».
وأخرج ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الله، بهم تغاثون، وبهم ترزقون، وبهم تمطرون».
وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال: لن تخلو الأرض من أربعين، بهم يُغاثُ الناس، وبهم ينصرون، وبهم يرزقون، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلًا. قال قتادة: والله إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: لم يزل على وجه الأرض في الدهر سبعة مسلمون فصاعدًا، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والخلال في كرامات الأولياء عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال: لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب.
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زاذان قال: ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعدًا يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن مجاهد قال: لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعدًا، ولولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن زهير بن محمد قال: لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدًا، ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال: الابدال ثلاثون رجلًا بالشام، بهم تجاورون وبهم ترزقون، إذا مات منهم رجل ابدل الله مكانه.
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن إبراهيم النخعي قال: ما من قرية ولا بلدة لا يكون فيها من يدفع الله به عنهم.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن أبي الزناد قال: لما ذهبت النبوّة وكانوا أوتاد الأرض أخلف الله مكانهم أربعين رجلًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الابدال، لا يموت الرجل منهم حتى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه، وهم أوتاد الأرض، قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم، لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ولكن بصدق الورع، وحسن النية، وسلامة القلوب، والنصيحة لجميع المسلمين.
وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس».
وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك».
وأخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون».
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله عز وجل لا يضرها من خالفها».
وأخرج الحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة».
وأخرج مسلم والحاكم وصححه عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الدين قائمًا يقاتل عليه المسلمون حتى تقوم الساعة».
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال».
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة».
وأخرج ابن جرير والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي منبه الخولاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله. وفي لفظ: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته».
وأخرج مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوّهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك».
وأخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة».
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن الزهري قال: فلما كان في رأس المائة منَّ الله على هذه الأمة بعمر بن عبد العزيز.
وأخرج البيهقي في المدخل والخطيب من طريق أبي بكر المروزي قال: قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرًا قلت فيها بقول الشافعي، لأنه ذكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس السنن وينفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي».
وأخرج النحاس عن سفيان بن عيينة قال: بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من العلماء يقوي الله عز وجل به الدين، وأن يحيى بن آدم عندي منهم.
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت شيخًا من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريج: أبشر أيها القاضي، فإن الله منَّ على المؤمنين بعمر بن عبد العزيز على رأس المائة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة، ومن الله على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة، ومن الله على رأس الثلثمائة بك حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة. اهـ.